دور الشرطة التنبؤية في التنبؤ برسم خريطة الجريمة الزمكانية


د. فهيل عبدالباسط عبدالكريم

المعهد التقني الإداري

حيث إن علم الإجرام الحديث (علم الاجرام الخوارزمي) يراجع بشكل نقدي مساهمة العوامل الاجتماعية والبيئية في رسم خريطة الجريمة من حيث توزيعها المكاني والزماني (الزمكاني)، فإن تقنية التعلم الآلي (الإحصائي)، والتي تسمى نمذجة تضاريس المخاطر The Risk Terrain Modelling (RTM) تُستخدم حاليًا كحل برمجي لـ تشخيص الظروف الاجتماعية والبيئية المؤدية إلى الجريمة في جغرافية منطقة معينة (منطقة الدراسة)، من خلال التحليلات الجيومكانية والزمانية للجرائم، ذلك من خلال ربطها بالبؤر الساخنة (Hotspots) وتحليلها إلى بيانات ضخمة (بيانات إجرامية)، ونتيجة لذلك، تظهر أنماط جديدة للتنبؤ بالمخاطر في المنطقة الجغرافية محل المسح (منطقة المسح) في المستقبل، يستفاد من ذلك، أولا: من أجل استجابة سريعة وفعالة من قبل الشرطة التنبؤية، ولتحديد أولويات نشر الموارد الاحترازية لمنع الجريمة (قبل وقوعها) والحد من المخاطر المحتملة في حالة وقوع جريمة، وثانيًا: ما يجب القيام به عند الوصول (قوات الشرطة) كخطوة احترازية للسيطرة على الجريمة لتحقيق الحد الأدنى من الإضرار بقوات الشرطة. تمثل The Risk Terrain Modeling استثمارًا منهجيًا لأكثر من عقد من الزمن في مجال التحقيق الجنائي، وقد تم تأسيسها على يد مؤسسي التقنية ليزلي دبليو كينيدي (Leslie W. Kennedy) وجويل إم كابلان (Joel M. Caplan) في جامعة روتجرز (Rutgers University)، ويتم العمل بهذه التقنية حاليًا في أكثر من 45 دولة حول العالم.

بالتزامن مع زيادة الدقة المنهجية بخصوص مبادرات مكافحة الجريمة وزيادة الشراكات بين المبرمجين والخبراء القانونيين (الأكاديميين في مجال العدالة الجنائية)، تم إدخال العديد من البرامج التحليلية في المؤسسة الشرطية، بالاعتماد على نظام المعلومات الجغرافية The Geographic Information System (GIS) كأداة تحليلية لتحديد دوافع الجريمة وتحليلها من جهة، وتطوير وتقييم برامج الوقاية من الجريمة من جهة أخرى، وذلك لتحديد النقاط الساخنة على خريطة الجريمة، بعد إجراء التحليلات المكانية والزمانية التي توضح العلاقات بين الجريمة وسمات البيانات الاجتماعية والبيئية في الأماكن التي تتركز فيها الجرائم. تهدف هذه التقنية إلى رسم خريطة إجرامية باستخدام الأثر الرجعي (البيانات الجنائية وبيانات المواقع التي أرتكب فيها الجرائم) لتحديد الإنذار المبكر (المكاني) وبناء نهج استباقي من حيث جاهزية الموارد من قبل الشرطة لمنع الجريمة، كما وتهدف إلى تعزيز استخدام القدرات التنبؤية للتوزيع المكاني والزماني للجريمة، لتحديد الارتباطات الزمنية بين الأحداث المتعاقبة، وبعد قياس السمات الاجتماعية والبيئية باستخدام نموذج حزمة النماذج المضافة المعممة للموقع والمقياس والشكل The GAMLSS R Package Model، ستظهر درجة F1 للتأثير المتبادل بين هذه العوامل الاجتماعية والبيئية في التنبؤ بالعملية من جهة، وعلى التوزيع (المتنبئ به) المكاني والزماني للجريمة من جهة أخرى.

وتتجلى أهمية التقنية في تقييم نتائج التطبيق النظري لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي حزمة RTM وGAMLSS R، وأهميتها في تعزيز الأداء الأمني للشرطة في مكافحة الجريمة، أو بالأحرى منعها قبل وقوعها، وتقليص حالات الاشتباه غير المتعمد (ضحايا العدالة) للأبرياء، أي تقليص دائرة الشبهة إلى أضيق حدودها. وبالتالي يشمل نطاق التقنية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل عام، وحزمة RTM وGAMLSS R بشكل خاص، والتحفيز على بناء شراكات أكاديمية من خلال البحوث المشتركة (البحوث البينية) بين المبرمجين من متخصصي تكنولوجيا المعلومات والمتخصصين في القانون الجنائي في مجال العدالة الجنائية (علم الاجرام الخوارزمي).

وألية عمل التقنية تشمل الجوانب التالية:

  1. التفاعل بين العوامل الاجتماعية والبيئية والتوزيع المكاني والزماني (الزمكاني) لرسم خريطة الجريمة؛
  2. تأصيل التنبؤ الخوارزمي في الفقه الجنائي المعاصر، في شكل تدابير احترازية (تدابير استدلالية).

في النهاية، نبرز أهمية مبادئ علم الجريمة الحديث من أجل دمجها في النظام الجنائي العراقي، من خلال التفاعل مع مبادئ علم الاجرام الخوارزمي، وتبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الشرطة التنبؤية، وتشجيع المشرع الجنائي العراقي على إصدار تشريعات معاصرة لتنظيم الاستخدام الهادف والفعال لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الجنائي في مكافحة الجريمة.